قال لي الدكتور في أثناء المحاضرة : أخونا البحريني على أي مذهب؟
فقلتُ له : ليس مهماً يا دكتور كوني على أي مذهب.
فعاود السؤال وكرَّرتُ الإجابة نفسها، فقال الدكتور : جعفري؟
فقال الطالب اللبناني وكان جالساً إلى جانبي : يظهر أنه جعفري.
فابتسم الدكتور وقال : كيف هو زواج المتعة عندكم في البحرين؟
فقلتُ له : ماذا تقصد بالسؤال، هل تقصد تطبيقه من ناحية عملية وانتشاره بين الناس؟
قال : نعم.
فقلتُ : هذا الزواج ليس منتشراً بين الناس في البحرين، فلا تجد اتنشاراً له بمعنى أنه متعارف عليه بأن فلاناً مثلاً متزوج من فلانة متعة.
قال الدكتور : أليس حلالاً؟
فقلتُ له : الأحكام الشرعية لا تخضع لأذواق الناس.
وتكلم عن المتعة وقال أنها ظلمٌ للمرأة.
فقلتً له : إذا كانت المتعة ظلماً للمرأة فالله ورسوله هما أول من ظلم المرأة، وقلتٌ له :
هذا ليس منهجاً صحيحاً في الكلام عن المتعة، بل الصحيح أن المتعة كانت
مباحة شرعاً باتفاق المسلمين، والخلاف وقع في أنها نُسِخَت أو لم تنسخ.
وقلتُ له أيضاً :
أنتَ تُصوِّر المسألة وكأنَّ المرأة مُجبرَةٌ على قبول المتعة والعمل بها،
مع أنَّ المرأة مُخيَّرة ولا يستطيع أحدٌ إجبارها على هذا الزواج، ومن
حقِّها أن تشترط المهر الذي تريده إن وافقت.
فقال لي :
ولكن إذا أغرينا المرأة وصوَّرنا لها أنها إذا تمتَّعت فلها كذا من الثواب
وإذا اغتسلت من المتعة فلها كذا من الثواب (وهو يشير إلى رواية وردت بهذا
المعنى).
فقلتُ له :
هذا المنهج ليس صحيحاً، فليس من الصحيح أن أُحاكم مذهباً برواية وردت فيه،
ليس من الصحيح أن يأخذ السني أية رواية مثلاً من كتاب (تهذيب الأحكام)
للطوسي ويقول : الشيعة يقولون كذا، كما أنه ليس من الصحيح أن يأخذ الشيعي
أية روايةٍ من سنن ابن ماجة أو مصنف عبد الرزاق ويقول : السنة يقولون كذا.
قال الدكتور : ما الفرق بينها وبين الزنا؟ ففي الزنا يدفع لها مالاً وفي المتعة كذلك.
قلتُ له :
أنا أخبرك بالفرق، المتعة فيها مهر والزنا لا مهر فيه، المتعة فيها عدَّة
والزنا لا عدَّة فيه، المتعة يلحق فيها الابن بأبيه شرعاً ويرث منه،
والزنا لا يلحق فيه الولد بالزاني.
قال الدكتور : ومن الذي يقبل بأن يُلحق به الولد من هذا الزواج؟
قلتُ له : الشرع يلزمه بذلك.
قال الدكتور : توجد رواية في الكافي عن الصادق أنه سُئِل عن المتعة؟ فقال : هي الزنا.
قلتُ له :
يا دكتور هذا المنهج ليس صحيحاً، فإذا جاءت رواية تقول بأن المتعة هي
الزنا، وفي مقابلها على سبيل المثال وردت 200 رواية تقول بأن المتعة حلال،
هل من المعقول أن نحكِّم رواية واحدة على مئتي رواية؟!!!! لا بدَّ أن ننظر
في هذه الرواية الواحد التي تعارض الروايات المتواترة، ننظر في سندها
ومتنها، وننظر في الأجواء التي صدرت فيها هذه الرواية.
قال الدكتور : وكيف أعرف الروايات الصحيحة وغير الصحيحة عندكم؟
قلتُ له : ماذا تقصد، هل تقصد صحَّتها من حيث السند؟
قال : نعم.
قلتُ له : ترجع إلى الأصول الرجالية لتنظر ماذا قال العلماء في رواتها.
قال الدكتور : ما هي الكتب التي أرجع إليها لمعرفة ذلك؟ أنا أريد أن أستفيد.
قلتُ له : أكتب عندك، رجال النجاشي، رجال الكشي، رجال الطوسي، فهرست الطوسي، وكتاب معجم رجال الحديث للسيد الخوئي يُفيدك في هذا الجانب.
ثم قلتُ له :
هناك مبانٍ رجالية متفق عليها بين العلماء وهناك مباني اختلف العلماء
فيها، وأذكر لك على سبيل المثال ، عندنا كتاب اسمه (كامل الزيارات) لابن
قولويه، وقد عبَّر ابن قولويه بعبارةٍ في مقدِّمة الكتاب اختلف العلماء
حولها، فمنهم من قال أن هذه العبارة تدل على توثيق ابن قولويه لجميع
الرواة الذين وردت أسماؤهم في أسانيد الكتاب من شيوخه إلى الراوي المباشر
عن المعصوم، ومنهم من فهم منها توثيق ابن قولويه لمشايخه الذين روى عنهم
مباشرة فقط. وعندنا أيضاً مبنى وثاقة الرواة الواردة أسماؤهم في أسانيد
تفسير القمِّي، فمن العلماء من فهم بأن عبارة علي بن إبراهيم في بداية
الكتاب تدل على توثيق جميع رجال الأسانيد، ومنهم من يطعن في أصل نسبة
الكتاب.
هنا شعر الدكتور بالضعف والإحراج وأحس بأنه ضائع في هذا الحوار، فوجَّه إليَّ السؤال المعروف : هل تقبلها على أختك؟
فقلتُ له : إذا كانت أختي مطلَّقة أو أرملة واحتاجت إلى هذا الزواج فإني أقبل، بل لا حقَّ لي في منعها.
قال الدكتور : ولماذا قيَّدتها بالمُطلَّقة والأرملة؟
قلتُ له : لأنه لا يجوز عندنا الزواج متعة بالبكر دون إذن وليِّها وحتى مع إذن وليِّها يُكره الزواج منها.
قال الدكتور : هذا الكلام لم يقل به علماء الشيعة، هذا الكلام من عندك.
قلتُ له : أنتَ لم تقرأ.
فاستشاط غضباً وصرخ قائلاً : أنا لا أسمح لك بهذا الكلام، أنا دكتور وإذا قلتُ شيئاً فأنا أتكلم عن اطلاع ولا آتي بشيءٍ من جيبي.
فأردتُّ أن أجيبه فقال لي :
أعطني فرصة لأتكلم، ثم قال : علماء الشيعة المعاصرين قالوا بهذا الكلام من
باب التخريج الفقهي (ولم أفهم معنى هذه الكلمة)، أما علماء الشيعة القدامى
فلم يقولوا به، وأنا أتحدَّاك من باب التحدِّي العلمي أن تأتي لي بعالمٍ
شيعي واحد من القدماء يقول بما تقول.
ثم خرج غاضباً من قاعة الدرس.
وكنتُ أنا والطلاب قد اتفقنا على عدم الحضور في الأسبوع الذي بعده بسبب الأوضاع السياسية في ذلك الوقت، فحضرنا بعد أسبوعين يوم الجمعة بتاريخ 30-11-2007م،
وكنتُ قد صوَّرت له رأي الشيخ الصدوق من كتاب (المقنع) حيث صرَّح في هذا
الكتاب بهذا الرأي، فصوَّرتُ غلاف الكتاب والصفحة التي كُتبَ فيها سنة
الطبع والصفحة التي ورد فيها تصريح الشيخ الصدوق رحمه الله بحرمة الزواج
من الأبكار دون إذن وليهن، فانتظرتُ إلى انتهاء المحاضرة وخرجتُ من القاعة
خلفه فناديته ثمَّ قلتُ له : يا
دكتور طلبتَ مني كلام عالم من علماء الشيعة القدماء يقول بحرمة الزواج
متعة بالبكر دون إذن وليها، وهذا أحد العلماء القائلين فأريتُه الصفحة
وكنتُ قد وضعتُ خطاً تحت موضع الشاهد، فقال لي : سنة كم توفي؟ قلتُ له : سنة 381هـ، فقال لي : شكراً، وانصرف آخذاً معه الأوراق المُصَوَّرة.
ثم جئتُه في الأسبوع الذي بعده في يوم الجمعة بتاريخ 7-12-2007م،
وجئتُه بقول عالم آخر، وهو أبو الصلاح الحلبي المتوفى سنة 450هـ في كتابه
(الكافي في الفقه)، فقد صرَّح فيه بهذا الرأي، وصوَّرتُ له رأي الشيخ
الحلبي بالطريقة التي شرحتها عند كلامي عن كتاب الشيخ الصدوق، فقلتُ له
بعد المحاضرة خارج قاعة الدرس : هذا قول عالم آخر من القدماء يقول بحرمة
الزواج بالبكر دون إذن وليِّها.
وهنا كانت الصاعقة في جواب الدكتور، فقد أجابني بجوابٍ لم أتوقعه، فقال لي : أنا لا أقصد هذا الكلام، أنا أقصد أن كثيراً من الأمور الموجودة في كتب علماء الشيعة المعاصرين لا توجد في كتب القدماء.
وكان
الجواب جاهزاً بالنسبة لي ، وهو أن هذا أمر طبيعي نظراً لقرب القدماء من
عصر النص وابتعادنا، والنتيجة تكون احتياجنا إلى آلياتٍ جديدةٍ لم يحتج
إليها القدماء.
ولكنه
لم يعطني فرصة لأجيب فقال : أنتم الشيعة العرب لا يوجد لدينا خوف منكم،
فأنتم تربط بيننا وبينكم اللحمة العربية فضلاً عن الإسلامية، الخوف من
التشيع الذي يضرُّ بالإسلام، أما أنتم الشيعة العرب فالخلافات الموجودة
بيننا وبينكم موجودة بين المذاهب
الأربعة!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
ثم انصرف عني وتركتُه